البقوليات والقولون العصبي: علاقة معقدة تتطلب الحذر والاعتدال
لا شك أن البقوليات، مثل الفول والعدس والحمص والفاصوليا بأنواعها، تعتبر جزءًا مهمًا من نظام غذائي صحي ومتوازن للعديد من الأشخاص. فهي غنية بالبروتين النباتي والألياف والفيتامينات والمعادن، ولها فوائد صحية جمة. ومع ذلك، بالنسبة لمرضى القولون العصبي (Irritable Bowel Syndrome - IBS)، قد تتحول هذه الفوائد إلى تحديات بسبب حساسية الجهاز الهضمي لديهم.
لماذا تسبب البقوليات مشاكل لمرضى القولون العصبي؟ الأسباب الرئيسية وراء الانزعاج
هناك عدة عوامل تجعل البقوليات من الأطعمة التي قد تثير أعراض القولون العصبي لدى بعض الأشخاص، وأهم هذه الأسباب تشمل:
-
محتوى الألياف العالي (خاصة الألياف غير القابلة للذوبان): تحدي الهضم والغازات
- الألياف غير القابلة للذوبان وصعوبة الهضم: البقوليات تحتوي على نسبة عالية من الألياف الغذائية، وخاصة الألياف غير القابلة للذوبان. هذا النوع من الألياف لا يذوب في الماء ولا يتم هضمه بشكل كامل في الأمعاء الدقيقة. بدلاً من ذلك، ينتقل إلى الأمعاء الغليظة، حيث تبدأ البكتيريا الموجودة في الأمعاء بتخمير هذه الألياف.
- تخمر الألياف وإنتاج الغازات: عملية تخمر الألياف غير القابلة للذوبان في الأمعاء الغليظة تنتج كميات كبيرة من الغازات، مثل ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين والميثان. بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من القولون العصبي، قد يكون جهازهم الهضمي أكثر حساسية لهذه الغازات، مما يؤدي إلى الانتفاخ، وتشنجات البطن، وعدم الراحة، وهي من الأعراض الشائعة للقولون العصبي.
- تهيج القولون: بالإضافة إلى الغازات، قد تسبب الألياف غير القابلة للذوبان تهيجًا للقولون الحساس لدى مرضى القولون العصبي، مما يزيد من أعراض الإسهال أو الإمساك أو التقلبات بينهما، وهي من السمات المميزة للقولون العصبي.
-
الفودماب (FODMAPs)، وخاصة الفركتانز: سكريات صعبة الامتصاص تزيد المشكلة
- ما هي الفودماب (FODMAPs)؟ الفودماب (FODMAPs) هي اختصار لمجموعة من الكربوهيدرات قصيرة السلسلة التي يصعب هضمها وامتصاصها في الأمعاء الدقيقة. تشمل الفودماب: السكريات قليلة التعدد (Fructans and Galactans)، اللاكتوز، الفركتوز، و البوليولات.
- البقوليات والفودماب (الفركتانز والجلاكتانز): البقوليات تعتبر مصدرًا غنيًا بالفودماب، وخاصة نوعين من السكريات قليلة التعدد: الفركتانز و الجلاكتانز. هذه السكريات لا يتم هضمها وامتصاصها بشكل جيد في الأمعاء الدقيقة لدى العديد من الأشخاص، وخاصة المصابين بالقولون العصبي.
- تخمر الفودماب في الأمعاء الغليظة وتفاقم الأعراض: عندما تصل الفودماب غير المهضومة إلى الأمعاء الغليظة، تبدأ البكتيريا بتخميرها، مما ينتج كميات كبيرة من الغازات ويؤدي إلى زيادة سحب الماء إلى الأمعاء. هذا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم أعراض القولون العصبي، مثل الانتفاخ، والغازات، وآلام البطن، والإسهال.
- حساسية الفودماب والقولون العصبي: العديد من الأشخاص المصابين بالقولون العصبي لديهم حساسية خاصة للفودماب، مما يعني أنهم أكثر عرضة لتجربة الأعراض عند تناول الأطعمة الغنية بالفودماب، مثل البقوليات.
ماذا يمكن لمرضى القولون العصبي أن يفعلوا للاستمتاع بالبقوليات دون تفاقم الأعراض؟ حلول عملية ونصائح قيمة
على الرغم من التحديات التي قد تطرحها البقوليات لمرضى القولون العصبي، لا يعني ذلك بالضرورة التوقف التام عن تناولها. هناك استراتيجيات وتقنيات يمكن اتباعها لتقليل تأثير البقوليات على أعراض القولون العصبي والتمتع بفوائدها الغذائية باعتدال:
-
التقليل من كمية البقوليات: البدء بالقليل وزيادة الكمية تدريجياً
- الاعتدال في الكمية هو المفتاح: بدلاً من استبعاد البقوليات تمامًا من النظام الغذائي، يمكن البدء بتناول كميات صغيرة جدًا منها في البداية، ومراقبة رد فعل الجسم بعناية. إذا لم تظهر أعراض مزعجة، يمكن زيادة الكمية تدريجياً ببطء مع مرور الوقت.
- حجم الحصة المناسب: ابدأ بحصص صغيرة جدًا، مثل ملعقتين كبيرتين فقط من البقوليات المطبوخة في الوجبة الواحدة. زِد الكمية تدريجياً بمقدار ملعقة أو ملعقتين كل بضعة أيام أو أسابيع، حسب تحمل جسمك.
- مراقبة الأعراض: انتبه جيدًا لأعراضك بعد تناول البقوليات. إذا لاحظت زيادة في الانتفاخ أو الغازات أو آلام البطن، فهذا يعني أنك تجاوزت الكمية التي يتحملها جسمك حاليًا. في هذه الحالة، قم بتقليل الكمية في المرة القادمة.
-
نقع البقوليات: خطوة هامة لتقليل الفودماب والألياف غير القابلة للذوبان
- لماذا النقع مهم؟ نقع البقوليات قبل الطهي يعتبر خطوة حاسمة لتقليل محتوى الفودماب (خاصة الفركتانز والجلاكتانز) و الألياف غير القابلة للذوبان، مما يجعلها أسهل هضمًا وأقل احتمالية للتسبب في الأعراض. عملية النقع تساعد في:
- تحليل السكريات قليلة التعدد (الفودماب): يساعد النقع في الماء على تحليل وتفكيك بعض السكريات قليلة التعدد (الفودماب) الموجودة في البقوليات، مما يقلل من كميتها قبل الطهي.
- تقليل الألياف غير القابلة للذوبان: يساعد النقع على ترطيب الألياف غير القابلة للذوبان وتليينها، مما يجعلها أسهل في الهضم وأقل تهيجًا للقولون.
- كيفية نقع البقوليات بشكل صحيح:
- المدة الزمنية للنقع: يُنصح بنقع البقوليات لمدة لا تقل عن 8 ساعات أو طوال الليل، ويفضل حتى 12-24 ساعة. كلما زادت مدة النقع، كان ذلك أفضل في تقليل الفودماب.
- تغيير ماء النقع: قم بتغيير ماء النقع مرة واحدة على الأقل خلال فترة النقع، ويفضل تغييره كل 4-6 ساعات. تغيير ماء النقع يساعد في التخلص من الفودماب المنحلة في الماء.
- التخلص من ماء النقع: تخلص دائمًا من ماء النقع ولا تستخدمه في الطهي. ماء النقع يحتوي على الفودماب المنحلة، والتخلص منه يقلل من محتوى الفودماب في البقوليات المطبوخة.
- الشطف الجيد: بعد النقع، اشطف البقوليات جيدًا بالماء النظيف قبل الطهي للتأكد من إزالة أي بقايا من ماء النقع.
-
طهي البقوليات بشكل جيد: الطهي المطول يعزز الهضم ويقلل الانزعاج
- أهمية الطهي الجيد: طهي البقوليات بشكل جيد يعتبر خطوة أساسية أخرى لجعلها أسهل هضمًا وأقل احتمالية للتسبب في الأعراض. الطهي الجيد يساعد في:
- تليين الألياف بشكل أكبر: يزيد الطهي من تليين الألياف غير القابلة للذوبان وتفكيكها، مما يجعلها أسهل في الهضم وأقل تهيجًا للقولون.
- تحليل المزيد من الفودماب: يساعد الطهي المطول على تحليل المزيد من الفودماب المتبقية في البقوليات بعد النقع.
- تحسين الملمس: يجعل البقوليات أكثر نعومة وسهولة في المضغ والهضم.
- طرق الطهي الموصى بها:
- السلق المطول: يُفضل سلق البقوليات لمدة طويلة حتى تصبح ط